يمكن يكون عمود نور أو يمكن يكون عسلية لكن في النهاية في جراح مستخبية

الأحد، 4 سبتمبر 2011

نفسي أكون محترم




كنت قد قررت أنا ومجموعة من زملائي في مبادرة " تعليمنا أملنا " أن نقوم ببعض الاستبيانات حول مدي  رضاء طلاب المرحلة الإبتدائية عن مدارسهم ، قررنا ان نسألهم عن أحلامهم وما يودون رؤيتة داخل المدرسة ، عن مشكلاتهم وما يؤرقهم ، عن ما يحبونه ويتمنون أن يدوم  ، قمنا بإستطلاع رأي عدد من الطلاب - طلاب المدارس الحكومية - لم يكن عددهم كبير ولكن في نفس الوقت حاولنا أن لا يكون الطلاب من محافظة واحدة  حتي نستطيع التعرف علي أكبر قدر من المشكلات بالإضافة إلي إستكشاف أمر مهم وهو هل جميع الطلاب يعانون من مشكلات واحدة أم أن هناك تنوع ، قمنا بإستطلاع أراء مجموعة من الطلاب من محافظات الإسكندرية وكفر الشيخ والبحيرة ، لن  اتحدث هنا عن نتائج الاستبيان ، ولكني سألقي الضوء علي بعض الجمل التي قالها الأطفال وجعلتني أنا وزملائي نقف عاجزين ، صامتين ، متألمين

بدأنا نسأل الأطفال وكنا نظن أنهم سيتمنون بعض الألعاب الترفيهية  ،أو أنهم يتمنون أن تمتلئ مدرستهم بأجهزة الكمبيوتر ، أو أن تكون هناك معامل ضخمة ومجهزة داخل المدرسة ، ولكن أتضح أنهم يتمنون أشياء أهم بكثير ، وجدناهم يحلمون بأشياء أنفس بكثير مما كنا نظن ، وجدناهم يتتطلعون إلي ما لم نتوقعة ، فعندما سألت أحد الأطفال  ماذا تتمني ؟؟ وما تحلم به تجاه مدرستك ؟؟ رد بمنتهي السرعة  "نفسي أكون مبسوط وأنا رايح المدرسة " أتذكره جيداً عندما قال لي هذه الجملة ، أتذكر نبرة صوتة ، أتذكرها لانها كانت مميزة ، فقد وصلت إلي قلبي قبل أن تمر علي أذني ، كان صادقاً بدرجة جعلتني أصمت للحظات ، أتأمل ما قال ، أحاول أن أتابع أسألتي له ، ولكن لم أجد رد أقوله ......

أما الطفل الثاني  فكل ما يتمناه ،أن يفي المعلم  بوعده ، لان معلمه كثيراً ما يعده بأشياء ولا يقوم بتنفيذها ، دائما يعده بأنة سيقوم بإلقاء كلمة في إذاعة المدرسة ثم لا يفي بوعده ، وعده أكثر من مرة بأنة إذا إجتاز الامتحان بدرجة معينة سوف يعطية شهادة تقدير ولم يفعل .

أما الطفل الثالث فعندما سألتة عن أحلامة ، قال لي وهو يتهكم " نفسي العب في الحوش الي بنضفة " سالته مندهشاً ولما لا تلعب هل تم إلغاء حصة الالعاب ؟؟ فرد بالنفي أنها موجودة ولكن تتم داخل الفصل .  

" نفسي المدرس يحترمني  " عندما سألت  أحد زملانئا أحد الأطفال عن أمنياته ، وما يحلم أن يجده داخل المدرسة ، كان هذا هو رده ، كان يتمني أن يعاملة المدرس بإحترام ، أتذكرها جيدا وهي تقول تلك الجملة ، واتذكر كم الحزن الذي شعرت به وقتها ، كما أن هذا الطالب قد كرر هذه الجملة أكثر من مرة في حديثة ، لدرجة أن زميلتنا ظنت أنه سيبكي من فرط تأثره .

أنا لن أعقب ولن أعلق  علي هذه الكلمات فبلاغتها كفيلة بأن تدوق نواقيس الخطر لكل من يهمة الأمر، كفيلة بأن تقول لنا أن تشوه معالم الطفولة تتم بمباركتنا ، كفيلة بأن تقول لنا أننا خلال أعوام قليلة سنمتلك جيل مشوه المعالم بسبب أننا مازلنا لا نعرف ماذا نريد من التعليم ؟؟؟ عندما كنت أستمع إلي هؤلاء الطلاب كنت أستمع لهم وكلي إنصات ، أستمع لهم وفي داخلي أشعر بالألم وأدعي ربي أن لا يأتي اليوم الذي اجلس فيه ويكون هذا الطالب أبني ولا اعرف ماذا أقول له ، أحيانا أشفق عليهم وأحيانا أخري أشفق علي مستقبلنا ، كان أحد العلماء دائما ما يقول أننا إذا أردنا التعرف علي المستقبل  فلنذهب لأحد معلمي الأطفال ، وقتها ستعرف هل سيكون المستقبل مشرق ؟؟  أم سيكون ................

لم نكتفي بسؤال أحد المعلمين كما قال أحد العلماء ، ولكننا ذهبنا للأطفال ليخبرونا كيف سيكون مستقبنا ، ولكن للاسف الشديد وجدانهم يفكرون في حاضرهم ولا يشغلهم مستقبلهم ،  كنا نظن أنهم سيتحدثون عن أشياء أكثر رفاهية ،ولكننا وجدناهم يبحثون  عن السعادة وكأنهم كهول أخذت منهم الأيام أكثر مما أعطت لهم ، يتمنون الأحترام وكأنهم يعيشون حياة مهينة ، ويتطلعون إلي الوفاء بالعهود وكأنهم يعيشون في مجتمع غير وفي .

أيها السادة ، هذا المقال ليس دعوة للتشأم ، ولا دعوة للبكاء علي حالنا ،وأعتقد أن سوء الوضع يحتاج إلي أكثر من البكاء  ولكن دعنا من قتامة الوضع ،ونفكر في كيف نخرج من هذا النفق المظلم    ، كيف نصحح الأوضاع ، ردود الأطفال بقدر ما هي قاتمة السواد ، بقدر ما توحي بالأمل ،لأنها تنم عن وعي يستحق الأعجاب ، تنم عن أن هؤلاء الأطفال يعون أن الكرامة أهم من أي شئ ،كما أن هذه ترد علي كل من يتوهم أن مشكلة التعليم تتلخص في الميزانية وفقط ، فهل الوفاء بالعهود يحتاج إلي زيادة المزانية ؟؟ أم أن المعلم إذا أبتسم في وجهة االطالب  وعاملة بطريقة محترمة ستكلف هذه الإبتسامة خزانة الدولة أموال فادحة ؟؟أم أن اللعب في الحوش يحتاج إلي ميزانيات جبارة ؟؟


أنا لا أقول أن ميزانية التعليم لا تحتاج إلي زيادة ، فمن وجهة نظري أري أن ميزانية التعليم فى مصر الثورة لابد ان تكون الأكثر نصيباً ، ولكن ليس زيادة الميزانية وفقط هو الحل ، فالحل في بناء نظام دعائمة الرؤية الواضحة والخطة المحددة وركيزتة علاقة الحب بين المعلم والطالب .

فلن ننهض دون رؤية ولا نتقدم دون خطة  

مصطفي ابوسليم
4/9/2011