يمكن يكون عمود نور أو يمكن يكون عسلية لكن في النهاية في جراح مستخبية

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

فلقد بدأت المحاكمة وجاء المخلوع ورفعت الجلسة


المستشار أحمد رفعت 


منذ الأمس والجميع يجلس ليعد اللحظات والدقائق الأخيرة قبل بدأ محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجلية ووزير ألتة القمعية - وزارة الداخلية - حبيب العادلي ومعاونية .

كنت أنتظر هذه المحاكمة بفارغ الصبر ، ليس لكي أري المخلوع في قفص الإتهام فحسب ، بل لأنني كنت أظن أن هذه المحاكمة سيكون بداخلها مجموعة من المشاهد والتفاصيل التي من الممكن أن تساعدنا في تفسير بعض التساؤلات ، كنت أتصور أننا عندما نشاهد هذه المحاكمة سنجد بداخلها بعض التفاصيل التى لها دلالات  تجعلنا نعرف إلي اين نحن ذاهبون . 

الجميع كان يخمن ويراهن علي حضور المخلوع من عدمه ، كنا نفكر هل فعلا سنشاهده ،أم سيعلن  في اللحظات الاخيرة انه مريض ولا يستطيع الحضور، ولكن دعنا من كل هذا فلقد بدأت المحاكمة وجاء المخلوع ورفعت الجلسة ، ولكن لنتوقف ملياً عند بعض المشاهد التي أظن أن لها دلالات هامة 

الرئيس المخلوع داخل قفص الإتهام 
أول مشهد أود أن أتحدث عنه هو مشهد دخول المتهمين إلي قفص الإتهام ، لقد دخل حبيب العادلي رافع الرأس ، ثابت الخطى  ، وكأنة في طريقة لإلقاء محاضرة داخل القاعة ومن خلفه مساعديه الذي لم يختلف أمرهم كثيراً بالنسبة لهم ،أما السيد المخلوع فقد دخل علي سرير يسحبه مجموعة من الرجال إلي داخل قفص الاتهام ورسم على وجهة علامات الثقة وعدم الا مبالاه بما يحدث حوله ، لقد بدا منذ اللحظة التي ظهر فيها على شاشات التلفاز عدم صدق كل ماقيل عن حالة الصحية وترديها فلقد ظهر الراجل واثق من نفسه وواعي لكل ما يحدث من حولة ، مفنداً لكل الإتهامات التي وجهت إليه ، ومن هنا يأتي السؤال لماذا كان كل الإصرار على إبقاء هذا المتهم داخل مستشفي شرم الشيخ الدولي ؟؟؟

ثم تحولت الكاميرا إلي كل من المتهمين جمال وعلاء مبارك ، فقد بدا علي الأول الثقة مثلما ظهر علي وجه الأب ، أما الثاني فلقد بدا على وجهة بعض علامات القلق والترقب 


المحامي الشهير فريد الديب 
أما المشهد الثاني ، فهو مشهد  محامي المتهمين ومشهد محامي الشهداء والمصابين - المدعين بالحق المدني - فلقد بدا من أول وهلة مدي ثقل الأسماء الموجودة في جبهة المتهمين ومدي توازنهم في مواجهة الخصوم ، ولقد بدا للجميع أن هؤلاء يعرفون ماذا يريدون بالضبط من المحكمة ، وفي مواجهة هؤلاء شاهدنا  مجموعة من المحامين صغار السن ، قليلي الخبرة ، ليس من بينهم أحداً من المخضرمين في عالم المحاماة ، ليس من بينهم من يعرف متي يتحدث ومتي يطلب ، ليس من بينهم من يعرف كيف يجعل القاضي يستمع إلي حديثة وكيف يكسب وده ،  أننا أمام معضلة في غاية الخطورة ،معضلة من عدم التكافؤ بين فريقيى الدفاع والهجوم ، معضلة بين قوة حجة الباطل المتمثلة في ثقل الأسماء والتنظيم  أمام عدم تنظيم وقلة الخبرة  من الفريق صاحب الحق ، لذلك نحتاج إلي مجموعة من المحامين الشرفاء الذين عهدنا منهم الوقوف بجوار الحق دون مقابل ، نحتاج لمن يدافع عن كلمة الحق والعدل حتي لا نتفاجأ في النهاية بقرار من هيئة المحكمة ببراءة المتهم ، وفي هذه اللحظة لن نلوم هيئة المحكمة ولكن نلوم أنفسنا لأننا لم نستعد بما يكفي لكى نواجهة عدونا .

أما المشهد الثالث ، فهو  لحظات الإنتظار لخروج المخلوع ، أن هذا الرجل مازال يعامل علي أنه رئيس ، وليس علي أساس انه متهم برتبة مجرم حرب ، أن الخوف على مشاعره وعدم السماح لكاميرات التصوير بإلتقاط بعض الصور لحظة خروجه تجعلنا نشك ونفكر في سيناريوهات مختلفة ، أولها أن الرجل يتمتع بصحة جيدة ويسير علي قدمية ، وقصة السرير تم تنفيذها حفاظاً علي ماء الوجه ، وأما ثانيها عدم رغبتة هو في التصوير وانه مازال يأمر وينهي ، وهذين الفرضين مرفوضين وبشدة ، فالأول إذا كان حقيقي فكان يتوجب علي الفور نقل هذا الرجل إلي سجن طره ، وأما الفرض الثاني فالرد عليه أن هذا الشخص هو متهم ، قتل وتجبر وفسد وأفسد  وليس رئيس ، ليس من حقه أن يأمر أو ينهي .

 أما المشهد الذي لحق بهذا المشهد ، يعد أخطر مشهد في محاكمة اليوم ،هو لحظة خروج حبيب العادل وبقية المتهمين من غرفة الإنتظار، فلقد خرج حبيب العادلي وهو يلوح بيدية ، يرتسم علي وجه ابتسامة عريضة ويقف بجوارة ضابط برتبة كبيرة من قوات الشرطة العسكرية يمشي بجوارة وهو فاتح زراعه في إشارة له أن يتفضل إلي السيارة ، كنت أشاهد هذا المشهد في ذهول جعلني أتوقع أن هذا الضابط سيؤدي التحية لهذا المجرم ، وتكرر هذا الوضع مع بقية المتهمين مما يوحي  لنا أن الثورة لم تغير شئ ، وأن التفرقة مازالت موجودة ، وأن المواطنين ليسوا سواء ، أن هؤلاء المتهمين لابد أن يقيدو -بالكلابشات -وهم خارجين من غرفة الإنتظار ومتوجهين إلي مكان محبسهم فهذا هو ما يحدث مع أي متهم عادي فما بالكم بمن قام بمجموعة من الجرائم التي ترقي لجرائم الحرب .

كنت أجلس في ترقب وقلق في إنتظار مصير المخلوع ، هل سيذهب إلي مستشفي طره أم سيعود إلي شرم الشيخ ؟؟؟ ولكن نطق رئيس المحكمة بها ، وها أنا أشعر بالضيق ، وتبددت كل أحلامي في تحقيق المساوة وترسيخ  مبدأ العدل ومعاملة الناس جميعاً سواء أمام القانون ، أن إيداع  المخلوع في مستشفي المركز الطبي بطريق الإسماعلية هو أمر مؤسف ، فهذا الرجل أعتقد أنه يتمتع بصحة جيدة لا تحتاج لرعاية مكثفة أو متميزة ، لذلك  لابد أن يعامل مثلما يعامل بقية المتهمين  في السجون ، ومن المفترض أن يعامل بشده تزيد عن المتهمين العادين ، فهذا الرجل أعزه الله بأن وضعة على رأس الدولة وهو قرر أن يكون زليلاً ، لقد أعطاه الله كل شئ ورغم ذلك لم يعطي لشعبه أي شئ ، فإذا كانت مستشفي سجن طرة ليست مجهزة حتي بعد مرور ستة أشهر علي قيام الثورة ، فهذا الرجل لابد أن يوضع في أي مستشفي حكومي كي يتلاقي نفس مستوي الرعاية التي فرضها ويحصل عليها الطبقة العريضة من الشعب طيلة ثلاثون عام .

 وفي النهاية أود أن أذكر الجميع بهذا الحديث الشريف 

 «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»


أذكرك الجميع  بالمادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان

 كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا "

أذكر الجميع  بالمادة السابعة من الإعلان الدستوري


" المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز 
بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة " 


مصطفي أبوسليم 
3/8/2011